الشيخ أحمد المعمار
الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم ومبغضيهم إلى قيام يوم الدين وبعد..
اكمالًا للجزء الأول من بيان الروايات الشريفة الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بخصوص ثواب زيارة سيد الشهداء (عليه السلام)، ومالها من أجرٍ ومنزلة وكرامة لامثيل لها، ونحن نعيش أيام حلول ذكرى أربعينيته العظيمة، والأحداث التي جرت عام 61 هـ عندما عاد ركب عيال رسول الله إلى كربلاء؛ لزيارة أبي عبدالله (صلوات الله عليه)، وفي روايةٍ أنَّ الرؤوس الطاهرة المقدَّسة لسيد الشهداء ومن استشهد معه لحقت بالأجساد الشريفة في يوم العشرين من شهر صفر عام 61 هـ، وهذا العمل - الطواف بالرؤوس من بلدٍ إلى آخر - لا يقوم به إلا من انسلخت منه روح الإنسانية قبل انسلاخ روح الإسلام، وعلى الرغم من كلِّ ذلك أين أصبح الحسين وأين صار أعداؤه . أمَّا الروايات التي نستكمل بها موضوعنا السابق فهي:
1- ))عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (سلام الله عليه) قَالَ: إِنَّ الْحُسَيْنَ )سلام الله عليه) صَاحِبَ كَرْبَلاءَ قُتِلَ مَظْلُوماً مَكْرُوباً عَطْشَاناً لَهْفَاناً؛ فَآلَى اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لا يَأْتِيَهُ لَهْفَانٌ وَلا مَكْرُوبٌ وَلا مُذْنِبٌ وَلا مَغْمُومٌ وَلا عَطْشَانُ وَلا مَنْ بِهِ عَاهَةٌ ثُمَّ دَعَا عِنْدَهُ وَتَقَرَّبَ بِالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) إِلاّ نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ، وَأَعْطَاهُ مَسْأَلَتَهُ، وَغَفَرَ ذَنْبَهُ وَمَدَّ فِي عُمُرِهِ، وَبَسَطَ فِي رِزْقِهِ، فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأبْصَارِ))([1]) .
يظهر من هذا النص الشريف جملة فوائد منها: أنَّ من الأمور التي ينبغي للمؤمن الذي يريد زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) أن يستذكر ويعيش أجواء المصيبة الراتبة (مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام)([2]) التي جرت على الإمام (عليه السلام)، فالرواية ذكرت أنَّ الله تعالى آلى على نفسه القدسية أن لا يأتيه، أي لسيد الشهداء (عليه السلام) لهفان ولا مكروب ولا مذنب ولا مغموم ولا عطشان... الخ إلا أعطاه الله ما يريد, وهذه المواساة لسيد الشهداء (عليه السلام) مهمة للغاية، لما بذله في سبيل الله تعالى من تضحيةٍ على جميع المستويات، وقد أكد عليها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ليس في يوم العاشر فحسب؛ بل مع كلِّ زيارةٍ للإمام الحسين (عليه السلام) .
2- ((عَنِ الْمُعَلَّى أَبِي شِهَابٍ قَالَ: قَالَ الْحُسَيْنُ (سلام الله عليه) لِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): يَا أَبَتَاهْ مَا لِمَنْ زَارَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): يَا بُنَيَّ مَنْ زَارَنِي حَيّاً أَوْ مَيِّتاً أَوْ زَارَ أَبَاكَ أَوْ زَارَ أَخَاكَ أَوْ زَارَكَ كَانَ حَقّاً عَلَيَّ أَنْ أَزُورَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأُخَلِّصَهُ مِنْ ذُنُوبِهِ))([3]).
وهذه الرواية تبين لنا أنَّ نبينا الأكرم (صلى الله عليه واله) يزور بنفسه الشريفة المقدَّسة كلَّ من يزور سبطه سيد الشهداء (عليه السلام)، وهذه الكرامة من الكرامات التي منّ الله تعالى بها على زوار الامام الحسين (عليه السلام)، وليس هذا فقط؛ بل يخلصه من ذنوبه فيصبح المؤمن الزائر خاليًا من الذنوب كما ورد في هذه الرواية الشريفة :
(عن أبي الحسن الماضي أي الامام الكاظم (عليه السلام) قال: من زار قبر الحسين بن علي (عليهما السلام) عارفًا بحقِّه غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر)([4])
وليس فقط رسول الله يخلص الزائر من الذنوب؛ بل مولاتنا الزهراء (عليها السلام) أيضا كما جاء عن: (داود بن كثير عن أبي عبد الله (سلام الله عليه) قال: إنّ فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه و آله) تحضر لزوّار قبر ابنها الحسين (سلام الله عليه) فتستغفر لهم ذنوبهم)([5]).
3- ((عَنِ ابْنِ سِنَانٍ قَالَ: قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللَّهِ (سلام الله عليه): إِنَّ أَبَاكَ - أي الامام الباقر عليه السلام - كَانَ يَقُولُ فِي الْحَجِّ يُحْسَبُ لَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ أَنْفَقَهُ أَلْفٌ، فَمَا لِمَنْ يُنْفِقُ فِي الْمَسِيرِ إِلَى أَبِيكَ الْحُسَيْنِ (سلام الله عليه)؟ قَالَ: يَا ابْنَ سِنَانٍ يُحْسَبُ لَهُ بِالدِّرْهَمِ أَلْفٌ وَأَلْفٌ، حَتَّى عَدَّ عَشَرَةً، وَيُرْفَعُ لَهُ مِنَ الدَّرَجَاتِ مِثْلُهَا، وَرِضَا اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ وَدُعَاءُ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) وَدُعَاءُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالأئِمَّةِ (سلام الله عليهم) خَيْرٌ لَهُ))([6])
الانفاق في سبيل زيارة سيد الشهداء (عليه السلام) له جزاؤه الوفير والعظيم، إذ بيَّنت هذه الرواية أنَّ الدَّرهم الذي يُنفق في المسير، أي المجيء الى الزيارة جزاؤه (ألف ألف حتى عدّ العشرة)، وهذا من الأمور الاستثنائية لسيد الشهداء (عليه السلام)، وأيضًا تُرفع درجات هذا الزائر الباذل في المسير إلى الزيارة من الأموال ( مثلها)، ويالها من حظوة أنَّ المؤمن ترتفع درجاته بهذا القدر الكبير والعظيم، ولم يكتفِ الإمام الصادق (عليه السلام) بهذا المقدار من الأجر حتَّى قال يحصل الزائر على رضا الله تعالى، وهذا ما يطمح له كلُّ مؤمنٍ عابدٍ متَّقي أن يحصل على قرب من الله تعالى ونيل مرضاته سبحانه، وأيضًا دعاء من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ومن أمير المؤمنين والائمة (عليهم السلام) ولا يخفى على القارئ العزيز أنَّ دعاء أفضل الأنبياء ودعاء المعصومين من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لا يُرد إلَّا بالقبول، فهنيئًا ثمَّ هنيئًا لمن يحظى بذلك .
4- ))عن عبد الله الطحان، عن أبي عبد الله (سلام الله عليه) قال: سمعته وهو يقول: ما من أحد يوم القيامة إلاّ وهو يتمنَّى أنَّه من زوّار الحسين، لما يرى ممَّا يُصنع بزوّار الحسين (سلام الله عليه) من كرامتهم على الله تعالى)) ([7]) .
في بعض الروايات الشريفة الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) يوجد تخصيص لفئةٍ معينة من الناس، بما يتعلق بالثواب والعقاب، أما بعضهم الآخر فإنَّ كلامهم (عليهم السلام) مطلق وللجميع، وفي هذه الرواية يقول: الإمام (عليه السلام) (ما من أحدٍ) أي جميع البشر من نبي الله آدم حتَّى الخاتم (صلوات الله عليهم) إلَّا وهو يتمنَّى أنَّه من زوار الحسين، فيا ترى ماذا سيُصنع بزائر الحسين؟!، وما هذه الخصيصة التي يؤكد عليها الائمة (عليهم السلام) لنتعرف سريعًا على ماهيَّة المكافئة لزائر الحسين (عليه السلام):
)عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله أو أبا جعفر; يقول: من أحبّ أن يكون مسكنه الجنة ومأواه الجنة فلا يدع زيارة المظلوم . قلت: من هو؟ قال: الحسين بن علي صاحب كربلاء، من أتاه شوقاً إليه وحبّاً لرسول الله، وحبّاً لفاطمة وحبّاً لأمير المؤمنين (سلام الله عليهم)، أقعده الله على موائد الجنَّة يأكل معهم والناس في الحساب)([8])
فمسكن الزائر ومأواه الجنة، وليس هذا فقط؛ بل يقعد على موائد الجنة يأكل مع رسول الله ومع فاطمة الزهراء ومع أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم) يا لها من كرامة استثنائية! نحن نعلم أنَّ النظر إلى (وجه علي عبادة)([9]) فكيف الجلوس معه على مائدة واحدة وفي الجنة ؟. وفي رواية ثانية تبين ما لمن زار الحسين (عليه السلام): (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (سلام الله عليه): مَنْ زَارَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (سلام الله عليه) لِلَّهِ وَفِي اللَّهِ أَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ، وَآمَنَهُ يَوْمَ الْفَزَعِ الأكْبَرِ، وَلَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاّ أَعْطَاهُ)([10])
(العتق من النار) ما من مؤمنٍ إلَّا ويطلب راجيًا وداعيًا الله تعالى أن يجعله من العتقاء من النار، فالإمام الصادق (عليه السلام) هنا يجيب من يسأل عن أمر يعتقه الله من النار، ألا وهو زيارة الحسين (عليه السلام) أمَّا قضية (الأمان يوم الفزع الأكبر) فإنَّ بعض الروايات تبيِّن بعض تفاصيل ما سيحدث للبشر يوم القيامة من مراحل، ومن ضمنها يوم الفزع الأكبر وما يرافق هذا اليوم من أمور عظيمة وكبيرة، ولكن زائر الحسين (عليه السلام ) في أمانٍ منها بمشيئته تعالى، ثمَّ (وَلَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاّ أَعْطَاهُ) ولنوضح هنا ملاحظة مهمَّة أنَّه في بعض الأحيان يدعو المؤمن الزائر وما من إجابة لدعائه، وهنا يجب أن تعلم أخي الكريم أنَّ الله تعالى أعرف وأعلم بمصالح العباد، فحين تتأخَّر استجابة الدعاء، فذلك لمصلحة الإنسان نفسه، ولم تشأ حكمته سبحانه قضاؤها في الوقت الحالي، وإنَّما يكون ذلك بحسب ما تقتضي الحكمة الإلهية وإرادته سبحانه .
كتبنا الله وإيَّاكم من زوار سيد الشهداء (عليه السلام) والحشر معه يوم القيامة, والحمد لله رب العالمين...
الهوامش:
([1]) مستدرك الوسائل: 10/239 .
([2]) فقرة من زيارة عاشوراء المباركة . مصباح المتهجِّد: 775.
([3]) فروع الكافي: 4/588 .
([4]) ثواب الأعمال / ص112 .
([5]) كامل الزيارات ب 40 ص 118
([6]) كامل الزيارات: 125 .
([7]) وسائل الشيعة: ج 14 ص 424 .
([8]) كامل الزيارات / 141 .
([9]) تاريخ دمشق: 42/350 .
([10]) وسائل الشيعة /14 /499 .