موقف الإمام علي (عليه السلام) من حكومة عثمان / أولا: تقديم النصح له ونقد سياسته

مقالات وبحوث

موقف الإمام علي (عليه السلام) من حكومة عثمان / أولا: تقديم النصح له ونقد سياسته

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 08-09-2021

بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

وبعد:

يبدو ان الدسائس قد لعبت دورها لتفرق بين عثمان وعلي (عليه السلام)، كما مهدت السبل لاغتيال الثالث في ظروف يمكن معها اقصاء علي (عليه السلام) من المسرح السياسي، وتهيئ الجو المناسب لاستمرارية السلطة في الأمويين ـ عشيرة عثمان، فلقد حاولت فئة من أصحاب المصالح تثوير عثمان على علي (عليه السلام) فأفلحت إلى حد بعيد[1]وتباين المواقف الفكرية في العصر الحديث من علاقة علي (عليه السلام) بعثمان تعكس تلك الصورة، فقد اعتبر احد المستشرقين ما حدث بين علي (عليه السلام) وعثمان من مشادات كلامية بداية تشكل معارضة علي بن أبي طالب (عليه السلام)[2]بينما اتهم دارس اخر علياً (عليه السلام) وبعض الصحابة ببغض عثمان والكيد له، والنقمة عليه حين اعتبر علياً (عليه السلام) وطلحة والزبير «على رأس الناقمين على عثمان»[3]، واعتبر دارس ثالث علياً (عليه السلام) من الذين وقفوا من عثمان موقفاً محايداً «فلم يدافع عنه ولم يعن عليه»[4]، ويرى آخر انه «كان (عليه السلام) مخلصاً لعثمان مدافعاً عنه ملبياً لدعوته ماداً إليه يده ومعونته عند الحاجة»[5]، وهناك أيضاً رأي خامس يعتبر علياً (عليه السلام) «ناقداً لسياسة عثمان وبطانته التي حجبته عن قلوب رعاياه، ناصحاً للخليفة بإقاصاء تلك البطانة، وتبديل السياسة التي تزينها له وتغريه بإتباعها»[6]. واذا ما استفتينا (نهج البلاغة) لمحاكمة تلك الاراء المتضاربة فسنجد ان الرايين الاخيرين المتمثلين في نصح عثمان والمدافعة عنه ونقد سياسته، هما اللذان ينطلق منهما فكر علي (عليه السلام) السياسي تجاه عثمان وحكومة، إذ لم يؤثر عن علي (عليه السلام) الجنوح إلى السلبية في مواقفه السياسية على اعتبار ان النصح للدين مبدأ لا يحيد عنه، وذلك ليس من باب المعارضة أو الثورة طمعاً في السلطة، إذ لو كان السلطة غايته لقبلها بشرط عبد الرحمن بن عوف «العمل بسيرة الشيخين»[7]، حين عرضت عليه قبل المبايعة لعثمان على اعتبارها حيلة سياسية، ولكن الغاية في فكر علي (عليه السلام) وضع تعاليم الإسلام في مسارها الصحيح في ضوء القرآن والسنة، ففي رده على رسالة وردت إليه من معاوية يتهمه فيها بالتأليب على عثمان والمشاركة في قتله يقول «وما كنت لاعتذر أني كنت أنقم عليه أحداثاً، فإذا كان الذنب إليه ارشادي وهدايتي له، فربّ ملوم لا ذنب له: (طويل) وقد يستفيد الظنة المتنصح»[8].

وما اردت الا الاصلاح ما استطعت، ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾[9]، فاللوم الموجه لعلي (عليه السلام) ـ كما يبدو من قوله ـ لم يكن بسبب تخليه عن عثمان أو لكراهيته له أو معارضة خلافته، ولكنه بسبب نصحه لعثمان، ومحاولة ارشاده، وفضح أساليب بطانته التي استغلت اموال المسلمين لأجل مصاحلها الذاتية. فلو قبل من الأموال ما قبله غيره وتعامى عما احدثه ولاة عثمان في الامصار الإسلامية، لما وجه إليه أي اتهام، ويمثل وجهة نظره تلك قوله لأبي ذر لما وجهه عثمان إلى الربذة[10] المتضمن اشادة علي (عليه السلام) بثبات أبي ذر على مواقفه الرافضة لكل المغريات المادية ومهاجمته العنيفة لسياسة البذخ التي كان الأمويون يتبعونها بموافقة الحاكم، وتنبع إشادة علي (عليه السلام) تلك من مبدئه الفكري والتزامه الأخلاقي الذي قد يتحمل في سبيله كل التضحيات إذا ما دعت الحاجة بذلك[11].

الهوامش:
[1] من ذلك إقبال عثمان على عبد الله بن عباس بقوله «مالي ولكم يا ابن عباس، ما اغراكم بي واولعكم بتعقب امري، اتنقمون علي أمر العامة؟ اتيت من وراء حقوقهم أم امركم، فقد جعلتهم يتمنون منزلتكم، لا والله لكن الحسد والبغي وتثوير الشر واحياء الفتن... فقال ابن عباس: على رسلك يا أمير المؤمنين، فوالله ما عهدتك جهراً بسرك ولا مظهراً ما في نفسك، فما الذي هيجك وثورك؟ أنا لم يولعنا بك أمر، ولا نتعقب أمرك بشيء، أتيت بالكذب وتسوف عليك بالباطل... فما دعاك إلى هذا الأمر الذي كان منك؟ قال دعاني إليه ابن عمك علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال ابن عباس وعسى أن يكذب مبلغك. قال عثمان: انه ثقة. قال ابن عباس: انه ليس بثقة مع بلغ واغرى»الزبير بن بكارـ الأخبار الموفقيات 604 و 605.
[2] راجع بلا شير ـ تاريخ الأدب العربي 1/14.
[3] نبيه عاقل: خلافة بني أمية ص14.
[4] عبد الكريم الخطيب: علي بن أبي طالب (عليه السلام) ص 287.
[5] محمد رضا: الإمام علي بن أبي طالب ص 51.
[6] عباس العقاد: عبقرية علي، ص 63.
[7] راجع ص198 وما بعدها من هذا البحث.
[8] هو عجز لبيت صدره: وكم سقت في آثاركم من نصيحة. قائله مجهول: المبرد: الكامل 4/126.
[9] رسائل ـ 28 فقرة 7 والآية في السياق من سورة هود /88.
[10] راجع خطب ـ 130، والربذة ـ بفتح الراء والباء والذال: من قرى المدينة، راجع معجم البلدان 3/24.
[11] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 227 – 230.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2868 Seconds