بقلم: م. م. هدى ياسر سعدون
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
يضع أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام القوانين في الإدارة المالية للولاة لا سيما في عهده لمالك الأشتر رحمه الله فيبين له أهمية مراعاة ظروف الرعية (الفلاحين) التي تعتريها في أثناء زراعة الأرض وذلك عند فرض الخراج (الضرائب) مختصاً بحالات طارئة قد حددها الإمام عليه السلام بما يأتي:
«وإِنّما يُؤْتى خرابُ الاْرْضِ مِنْ إِعْوازِ أهْلِها،إِنّما يُعْوِزُ أهْلُها لاِشْرافِ أنْفُسِ الْوُلاةِ على الْجمْعِ، وسُوءِ ظنِّهِمْ بِالْبقاءِ، وقِلّةِ انْتِفاعِهِمْ بِالْعِبرِ»[1].
لعل الإمام عليه السلام قصد بالعمران المشار إليه: كل ما يخطط له الوالي من مشاريع تخدم الرعية قابل لأن يتحقق، وذلك بالعزم والجهود المبذولة، وهذه إشارة من الإمام عليه السلام لحث الحاكم أو الوالي على ان لايسعى لتعطيل أي مشروع كونه يصب في مصلحة الرعية، فيما يجعلها الأستاذ الفكيكي القاعدة الخامسة من ضمن قواعد علم المال الحديث فيقول: ومن معاني هذه القاعدة التي وضعها أبو الحسن عليه السلام النظرية الاقتصادية الحديثة وهي: «رقي الأمة الاقتصادي متناسب مع انتاجها» تلك القاعدة التي معناها: هو كلما زاد الإنتاج الزراعي والصناعي والعقلي والفني زادت الثروة الشعبية وتجلت المنافع الوطنية فليس من الحزم أن تكون الضرائب أو الخارج حائلاً دون الرقي الشعبي[2]. فيما ذكر نظرية أخرى قال بها علماء هذا القرن، تقول: «نتحرى الحصيلة الكبرى بالنفقة الصغرى» ومعناه أنه يجب على الحكومة أن تتجنب الأعمال التي تتجشمها النفقات الفاحشة لقاء فوائد تافهة وان تتحرى منافع الجباية التي تُدر عليها خيراً كثيراً بإنفاق قليل[3]. على حين أشار إلى ذلك ابن خلدون، إذ يقول: «واعلم ان السلطان لا ينمي ماله ولا يدر موجوده إلا الجباية وإدرارها إنما يكون بالعدل في أهل الأموال والنظر لهم بذلك، فبذلك تنبسط آمالهم وتنشرح صدورهم للأخذ في تثمير الأموال وتنميتها فتعظم فيها جباية السلطان وأما غير ذلك من تجارة أو فلح فإنما هو مضرة عاجلة للرعايا وفساد للجباية ونقص للعمارة»[4].
أما الخراب الذي هو انخفاض مستوى المعيشة لدى الرعية إنما يأتي عندما يبدأ المسؤولون الكبار استغلال مناصبهم لجمع الثروات، وهم يعلمون هذا لتخوفهم من فقدان هذه المناصب على حين غفلة، فضلاً عن ذلك يبدو ان خوفهم هذا ناشئ من وصولهم لهذه المناصب عن طريق الخداع والتسلط مما يجعلهم يفعلون ذلك، دون الانتفاع والاعتبار بمن سبقهم من الولاة ممن ليس لديهم ثقة ببقائهم في مواقعهم فيكون همهم أن يجمعوا أكثر ما يستطيعون جمعه فيصيب الرعية العوز والحاجة.
وهنالك رأي ذهب إليه ابن أبي الحديد، إذ يقول «شارحاً قوله عليه السلام»:
«وإِنّما يُؤْتى خرابُ الاْرْضِ»[5].
أي إنما تدهى من إعواز أهلها، أي من فقرهم، ثم يقول: والموجب لإعوازهم طمع ولاتهم في الجباية وجمع الأموال لأنفسهم ولسلطانهم وسوء ظنهم بالبقاء يحتمل أن يريد به أنهم يظنون طول البقاء وينسون الموت والزوال[6].
فيما يعطي ابن أبي الحديد رأياً آخر وهو ماذهبنا إليه سابقاً: ويحتمل أن يريد به أنهم يخيّلون العزل والصرف، فينتهزون الفرص، ويقتطعون الأموال، ولا ينظرون في عمارة البلاد[7]) [8].
الهوامش:
[1] المصدر نفسه، 17/54.
[2] الراعي والرعية، ص222.
[3] المرجع نفسه، ص222.
[4] المقدمة، ص239، ثم يقول في موضع آخر: واعلم ان «حال الدولة في القوة والضعف وكثرة الأمة أو الجيل وعظم المدينة أو المصر وكثرة النعمة واليسار كلها مادة لها من الرعايا والأمصار وسائر الأحوال وأموال الجباية عائدة عليهم ويسارهم في الغالب من أسواقهم ومتاجرهم وإذا أفاض السلطان عطاءه وأمواله في أهلها انبثت فيهم ورجعت إليه ثم إليهم منه فهي ذاهبة عنهم في الجباية والخراج عائدة عليهم في العطاء فعلى نسبة رجال الدولة يكون يسار الرعايا وعلى نسبة يسار الرعايا وكثرتهم يكون مال الدولة واصله كله العمران وكثرته». ينظر: المقدمة، ص311-312.
[5] شرح نهج البلاغة، (53)،17/54.
[6] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17/54.
[7] المصدر نفسه، 17/54.
[8] لمزيد من الاطلاع ينظر: الفكر الإداري عند الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، هدى ياسر سعدون، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة: ص 286-287.